الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وخرج الختلي أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم في كتاب الديباج له: حدثني أبو بكر بن الحارث بن خليفة، حدثنا محمد بن جعفر المدائني، عن سلام بن مسلم الطويل، عن عبد الحميد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت} قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا أول من تنشق عنه الأرض فأجلس جالسًا في قبري، فينفتح لي باب إلى السماء بحيال رأسي حتى أنظر إلى العرش، ثم يفتح لي باب من تحتي حتى أنظر إلى الأرض السابعة، حتى أنظر إلى الثرى، ثم يفتح لي باب عن يميني حتى أنظر إلى الجنة ومنازل أصحابي، وإن الأرض تحركت تحتي فقلت: ما بالك أيتها الأرض؟ قالت: أن ربي أمرني أن ألقي ما في جوفي، وأن أتخلى فأكون كما كنت إذ لا شيء في فذلك قوله عز وجل: {وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت} أي سمعت وأطاعت وحق لها أن تسمع وتطيع {يا أيها الإنسان} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ذلك الإنسان».وروي في تفسير قوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية} إن هذا خطاب للأرواح بأن ترجع إلى أجسادها إلى ربك أي صاحبك كما تقول: رب الغلام، ورب الدار، ورب الدابة، أي صاحب الغلام وصاحب الدار وصاحب الدابة فادخلي في عبادي أي في أجسادهم من مناخرهم كما ورد في الخبر المتقدم. وقد روي أن الله تعالى خلق الصور حين فرغ من خلق السموات والأرض. وأن عظم دارته كغلظ السماء والأرض، وفي حديث أبي هريرة: والذي نفسي بيده إن أعظم دارة فيه لكعرض السماء والأرض وسيأتي. وروي: أن له رأسين رأسًا بالمشرق ورأسًا بالمغرب. فالله أعلم.فصل:الصور: بالصاد قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء، وهي نفخة الصعق ويكون معها نقر لقوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور} أي في الصور فإذا نفخ فيه للإصعاق جمع بين النقر والنفخ لتكون الصيحة أشد وأعظم. ثم يمكث الناس أربعيم عامًا، ثم ينزل الله ماء كمني الرجال على ما تقدم، فتكون منه الأجسام بقدرة الله تعالى، حتى يجعلهم بشرًا كما روي في قصة الذين يخرجون النار قد صاروا حممًا. إنهم يغتسلون من نهر بباب الجنة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل. وعن ذلك عبر في حديث أبي هريرة المتقدم في صحيح مسلم وغيره فينبتون نبات البقل فإذا تهيأت الأجسام، وكملت نفخ في الصور نفخة البعث من غير نقر، لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها لا تنقيرها من أجسادها فالنفخة الأولى للتنقير، وهي نظير صوت الرعد الذي قد يقوى فيمات منه ونظير الصيحة: الصيحة الشديدة التي يصيحها الرجل بصبي فيفزع منه فيموت، فإذا نفخ للبعث من غير نقر كما ذكرنا خرجت الأرواح من المجال التي هي فيه فتأتي كل روح إلى جسدها فيحييها الله. كل ذلك في لحظة كما قال تعالى: {فإذا هم قيام ينظرون ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} وعند أهل السنة أن تلك الأجساد الدنيوية تعاد بأعيانها وأعراضها بلا خلاف بينهم. قال بعضهم: بأوصافها. فيعاد الوصف أيضًا كما يعاد الجسم واللون. قال القاضي أبو بكر بن العربي: وذلك جائز في حكم الله وقدرته وهين عليه جميعه. ولكن لم يرد بإعادة الوصف خبر.قلت: فيه أخبار كثيرة في هذا الباب بعد هذا.فصل:وليس الصور جمع صورة كما زعم بعضهم أي ينفخ في صور الموتى بدليل الأحاديث المذكورة، والتنزيل يدل على ذلك. قال الله تعالى: {ثم نفخ فيه أخرى} ولم يقل: فيها، فعلم أنه ليس جمع صورة. قال الكلبي: لا أدري ما الصور؟ ويقال: هو جمع صورة مثب بسرة وبسر أي ينفخ فيصور الموتى: الأرواح وقرأ الحسن: {يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة}.قلت: وإلى هذا التأويل في أن الصور بمعنى الصور جمع صورة. ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى وهو مردود بما ذكرنا. وأيضًا لا ينفخ في الصور للبعث مرتين بل ينفخ مرة واحدة، وإسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور الذي هو القرن والله سبحانه يحيي الصور فينفخ فيها الروح كما قال تعالى: {فنفخنا فيه من روحنا} و{نفخت فيه من روحي} قال ابن زيد: يخلق الله الناس في الأرض الخلق الآخر ثم يأمر السماء فتمطر عليهم أربعين يومًا فينبتون فيها حتى تنشق عن رؤوسهم كما تنشق عن رأس الكمأة. فمثلها يومئذ مثل الماخض تنتظر أن يأتيها أمر الله فتطرحهم على ظهرها. فلما كانت تلك النفخة طرحتهم. قال علماؤنا: والأمم مجمعون على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام.قلت: قد جاء حديث يدل على أن الذي ينفخ في الصور غير إسرافيل خرجه أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أحمد بن القاسم قال: حدثنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن عبد الله بن الحارث قال: كنت عند عائشة وعندها كعب الأحبار فذكر كعب إسرافيل فقالت عائشة: يا كعب أخبرني عن إسرافيل؟ فقال كعب عندكم العلم. قالت: أجل فأخبرني. فقال: له أربعة أجنحة جناحان في الهواء، وجناح قد تسربل به وجناح على كاهله، والعرش على كاهله، والقلم على أذنه، فإذا نزل الوحي كتب القلم ثم درست الملائكة، وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه، وقد نصب الأخرى، ملتقم الصور، محنيًا ظهره، شاخصًا ببصره، ينظر إلى إسرافيل، وقد أمر إذا رأى إسرافيل قد ضم جناحيه أن ينفخ في الصور قالت عائشة؟ هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. غريب من حديث كعب لم يروه عنه إلا عبد الله بن الحارث، ورواه خالد الحذاء عن الوليد أبي بشر عن عبد الله بن رباح عن كعب نحوه.فصل:قلت: وما خرجه أبو عيسى الترمذي وغيره يدل على أن صاحب الصور إسرافيل عليه السلام ينفخ فيه وحده. وحديث أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه يدل على أن معه غيره.وقد خرج أبو بكر البزار في مسنده، وأبو داود في كتاب الحروف من كتاب السنن من حديث عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور فقال: «عن يمينه جبريل، وعن يساره ميكائيل فلعل لأحدهما قرنًا آخر ينفخ فيه» والله أعلم.وذكر أبو السري عناد بن السري التيمي الكوفي. قال: حدثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي عمرو قال: ما من صباح إلا وملكان يقولون: يا طالب الخير أقبل، ويا طالب الشر أقصر، وملكان موكلان يقولان: اللهم أعط منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا، وملكان موكلان يقولان سبحان الملك القدوس، وملكان موكلان بالصور. قال: وحدثنا وكيع عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن ضمرة عن كعب قال: ما من صباح... مثله سواء. وزاد بعد قوله: وملكان موكلان بالصور: ينتظران متى يؤمران فينفخان. وعطية لا يحتج أحد بحديثه على ماذكره أبو محمد عبد الحق وغيره.فصل:واختلف في عدد النفخات: فقيل ثلاث: نفخة الفزع لقوله تعالى: {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين} ونفخة الضعف ونفخة البعث، لقوله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} وهذا اختيار ابن العربي وغيره. وسيأتي.وقيل: هما نفختان. ونفخة الفزع هي نفخة الصعق، لأن لا زمان لها أي فزعوا ماتوا منه. والسنة الثابتة على ما تقدم من حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن عمر وغيرهما يدل على أنهما نفختان لا ثلاث وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. قال الله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} فاستثنى هنا كما استثنى في نفخة الفزع فدل على أنهما واحدة. وقد روي ابن المبارك عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين النفختين أربعون سنة الأولى: يميت الله تعالى بها كل حي. والأخرى: يحيى الله بها كل ميت» وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله تعالى.وقال الحليمي جهنم اتفقت الروايات على أن بين النفختين أربعين سنة. وذلك بعد أن يجمع الله تعالى ما تفرق من أجساد الناس من بطون السباع، وحيوانات الماء وبطن الأرض، وما أصاب النيران منها بالحرق، والمياه بالغرق، وما أبلته الشمس، وذرته الرياح. فإذا جمعها وأكمل كل بدن منها. ولم يبقى إلا الأرواح جمع الأرواح في الصور، وأمر إسرافيل عليه السلام فأرسلها بنفخة من ثقب الصور، فرجع كل ذي روح إلى جسده بإذن الله تعالى.وجاء في بعض الأخبار ما يبين أن من أكله طائر أو سبع: حشر من جوفه. وهو ما رواه الزهري عن أنس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة يوم أحد وقد جذع ومثل به فقال: «لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى يحشره الله من بطون السباع والطير» وقد أنكر بعض أهل الزيغ أن يكون الصور قرنًا. قال أبو الهيثم: من أنكر أن يكون الصور قرنًا، فهو كمن ينكر العرش والصراط والميزان. وطلب لها تأويلات. اهـ.
.قال الشنقيطي: قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ}.هذه الآية الكريمة تدل على أنهم لا أنساب بينهم يومئذ، وأنهم لا يتساءلون يوم القيامة؛ وقد جاءت آيات أُخر تدل على ثبوت الأنساب بينهم كقوله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} الآية.وآيات أُخر تدل على أنهم يتساءلون كقوله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}.والجواب عن الأول: أن المراد بنفي الأنساب انقطاع فوائدها وآثارها التي كانت مترتبة عليها في الدنيا من العواطف والنفع والصلات والتفاخر بالآباء لا نفي حقيقتها.والجواب عن الثاني من ثلاثة أوجه:الأول: أن نفي السؤال بعد النفخة الأولى وقبل الثانية وإثباته بعدهما معًا.الثاني: أن نفي السؤال عند اشتغالهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباته فيما عدا ذلك. وهو عن السدى من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.الثالث: أن السؤال المنفى سؤال خاص وهو سؤال بعضهم العفو من بعض فيما بينهم من الحقوق لقنوطهم من الإعطاء ولو كان المسؤول أبًا أو ابنًا أو أمًّا أو زوجة.ذكر هذه الأوجه الثلاثة أيضًا صاحب الإتقان. اهـ.
|